وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
من حكمة الله -تعالى- أن يخرق العادة المطردة التي جرت عليها سنة الله الكونية في ارتباط الأسباب بمسبباتها، ونتاج الآثار عنها، وتخلفها عند انعدامها يكون ذلك لولي من أولياء الله الصالحين لمصلحة في الدين أو حاجة في الدنيا، ولا يصح ادعاؤها من أي أحد أو التطلع إليها، أو تطلبها بالمجاهدات والرياضات، وإجهاد النفس بما لم يشرعه الله لأجل الحصول على الكرامات، وإنما الكرامة هي محض منة الله -تعالى- يؤتيها من يشاء بمقتضى حكمته، وكل من كان تقياً فهو لله -تعالى- ولياً، والمدح والحمد معلق على وصف التقوى لا على حصول الكرامة، إذ ليس من شرط الإمامة في الدين، والصلاح في القلب أن يكون لصاحبها كرامات، ولا يلزم من وجود الخوارق قد تحقق صاحبها بالتقوى، إذ بعض هذه الخوارق قد تكون من أفعال السحرة والكهان، ولا يعرف الفرق بينهما إلا من أنار الله بصيرته بالعلم النافع والمعتقد الصحيح، وهذه الحالة الواردة في السؤال لها تعلق بالقلوب، إذ هداية القلوب بيد علام الغيوب، ولو كان ذلك ممكناً لبشر لحصل لخير الناس محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان حريصاً على هداية الخلق ودعوتهم، وحريصاً على دعوة عمه أبي طالب حتى بذل له كل ما استطاع لأجل أن يسلم، حتى أنزل الله عليه: (إنك لا تهدي من أحببت) [القصص:56].
فهذه دعاوى لبعض شيوخ الطرق الصوفية يزعمون أن من يتذلل للشيخ، وينطرح أمامه، ويقبل تربته، وربما حلق شعر رأسه إعلاناً للتوبة، فذلك علامة على توبته واستقامته، والحقيقة أن هذه ليست استقامة، ولا التزاماً، وإنما ارتكاس في التبعية لهذه الطرق البدعية، وانخراط في منهجها، ومن ثم يسمونه التزاماً واستقامة.
والمشايخ المستقيمون على السنة هم الذين يهدون الناس بالبيان، والدليل، وينيرون لهم الطريق بالكتاب والسنة. وفق الله الجميع للزوم السنة والدعوة إليها، والسلام وعليكم ورحمة الله وبركاته.
27 / 2 / 1430هـ